«الأهرام» سجلت معه 36 ساعة في لندن.. وساويرس ينفي إذاعتها في «أون تي في»
أزمة الحياة الجنسية لعبدالناصر في مذكرات شمس بدران
وكالة «الأهرام» رشحت فودة للتسجيل مع شمس بدران.. ثم اعتذرت له وسجلت المذكرات بمعرفتها.. وفودة يهاجم إذاعتها دون سند موثق
ساويرس يغسل يديه من إذاعة الحلقات قبل توريطه في معركة مع الحزب الناصري.. وأحمد الجمال يستعدي القوات المسلحة والرئيس علي «الأهرام» لمنع المذكرات
أعتقد أن عصر محاكم التفتيش انتهي.. ولو نجح المحرضون علي منع مذكرات شمس بدران.. فإنهم سيمنحونها قيمة قد لا تكون فيها
كان الخبر الذي تداولته الأوساط السياسية والصحفية الأسبوع الماضي عابرا، «شمس بدران وزير الحربية في فترة النكسة الذي يقيم الآن في لندن انتهي من تسجيل مذكراته صوتا وصورة وكتابة».
لم يتوقف الكثيرون أمام الخبر رغم أهمية صاحب المذكرات، لأن المعلومات المتاحة كانت نادرة جدا، لكن كان هناك ما جعل من المذكرات أزمة تداخلت فيها أطراف عديدة.
الطلقة الأولي أطلقها أحمد الجمال الكاتب الصحفي والقيادي بالحزب الناصري في مقاله بجريدة العربي، فقد أشار إلي أن عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة «الأهرام» حصل علي مذكرات شمس بدران، وحاول نشرها مسلسلة في «الأهرام»، لكن جهات سيادية رفضت النشر، وهو ما جعل سعيد يفكر في إذاعة المذكرات عبر فضائية نجيب ساويرس «أون تي في».
الجمال قام بحملة إرهاب استباقية لمنع نشر المذكرات، فقد وصف نجيب ساويرس ومن معه بأنهم أعداء عبدالناصر، ولا يخفون عداءهم لثورة يوليو ورفضهم لمنهجها وإنكارهم بعض إن لم يكن كل إنجازاتها، وهو ما دعا الجمال إلي أن يستعدي القوات المسلحة والرئيس مبارك محفزا إياهم أن يبادروا إلي منع هذه المذكرات، لأنها ستكون من وجهة نظره - رغم أنه لم يشاهد المذكرات ولم يقرأها - نكأ للجراح، وستدمي الأفئدة بأحاديث الإفك والبهتان.
تصدر جريدة «العربي الناصري» مساء السبت، وفي نفس المساء ينشر يسري فودة مقاله "من القلب في المصري اليوم، فموعد مقاله الأسبوعي يوم الأحد، وهو المقال الذي يقرؤه قراء القاهرة مساء السبت، في مقال الأحد الماضي سار يسري علي نهج الجمال، تحدث عن شمس بدران رئيس مصر الذي لم يكن، وفي سياق الحكاية أشار إلي دوره الذي لم يكتمل في تسجيل مذكرات شمس.
قال يسري:"غادر شمس بدران مصر كي يبدأ حياة جديدة في جنوب إنجلترا في إطار صفقة مع النظام أحد بنودها كما يبدو ألا يتكلم.. واليوم بعد أربعين سنة من الصمت، يقرر شمس بدران أن يتكلم لأول مرة، لكنه حين يتكلم لأول مرة يتكلم عن الحياة الجنسية لجمال عبدالناصر".
هنا محاولة أولي من يسري فودة - باعتباره ناصريا حاليا أو سابقا لا يهم - لوأد المذكرات والتشهير بها قبل أن يراها أحد، وهو ما يمكن فهمه في إطار ما حدث معه، وهو ما تحدث عنه بنفسه، يقول في مقاله:"بدأت القصة عندما اتصلت بي وكالة «الأهرام» كي تقول إن اسمي تم ترشيحه لإجراء ثلاثين حلقة من الحوار مع شمس بدران في بريطانيا، تحمست للموضوع لكننا لم نتفق في نهاية المفاوضات لأسباب لا يصح طرحها في مقال".
وفي تناقض لا يمكن أن تفهمه إلا إذا فهمت التكوين النفسي ليسري فودة يقول في مقاله:"وبينما نوجه تهنئة لوكالة «الأهرام» علي هذا السبق الصحفي الذي تم توثيقه كما نعلم الآن في ست وثلاثين ساعة مسجلة علي شرائط، فإننا لا نستطيع في الوقت نفسه، مقاومة إحساس بالاستغراب من السماح لرجل كان علي خلاف مع رجل آخر هو الآن في ذمة الله بالحديث عنه بما يمس عرضه وشرفه دون سند موثق".
ما أحجم يسري فودة عن ذكره، أفصحت عنه أطراف أخري، فقد اتصل طه عبدالعليم مدير عام مؤسسة «الأهرام» وطلب منه أن يقوم بالتسجيل مع شمس بدران في بريطانيا في مشروع تموله وكالة «الأهرام» للإعلان تقوم بتسويقه بعد ذلك للقنوات الفضائية.
لم يكن يسري عمليا فيما طلبه من «الأهرام»، فقد طلب فريق بحث وأن يقوم بعمل بحث دقيق وعميق ووثائقي قبل أن يقوم بالتسجيل، وكانت هناك مهمة أخري وهي أن يطلب الإذن من إدارة «أون تي في» بالعمل مع «الأهرام»، لأنه لا يزال علي ذمة القناة بحكم عقد عمل بينهما لمدة عامين.
كان علي الأهرام أن تنجز مهمتها بسرعة، فشمس بدران من مواليد العام 1929، أي أن عمره الآن 81 عاما، ويبدو أن حالته الصحية لم تكن مطمئنة، وهو ما جعل «الأهرام» تلغي فكرة يسري فودة الذي يحتاج مزيدا من الوقت، كما أنه لم يحسم أمره مع «أون تي في»، فاتصل به طه عبد العليم مرة أخري وأخبره أن فريقا من «الأهرام» سافر إلي لندن لتسجيل مذكرات شمس بدران، وقد أنهي فريق «الأهرام» بالفعل مهمته في 36 ساعة.
مسئولون بـ «الأهرام» أكدوا أن المذكرات مستهدفة، لأسباب سياسية ولأخري شخصية، فليس معقولا أن يقول أحدهم إن التسجيلات عبارة عن فضح لحياة عبدالناصر الجنسية، وإنها خوض في عرضه، فهذا كلام لا يصدر إلا من هواة، لأن 36 ساعة من التسجيلات تناولت شهادة شمس بدران علي الحياة السياسية في مصر، ولم يكن تعرضه لحياة عبدالناصر إلا بما اقتضاه السياق الذي صيغت فيه المذكرات.
ولا أحد يعلم علي وجه التحديد: هل كان هناك اتفاق بين جريدة «الأهرام» وقناة «أون تي في» علي عرض حلقات مذكرات شمس بدران، أم أن هناك من يريد توريط ساويرس وقناته في الأزمة.
ساويرس كان أزكي من الجميع بالطبع، فرغم أن الحالة المالية لقناة «أون تي في» لا تسمح بشراء هذا العمل الضخم، فهي بالفعل تعاني من أزمات مالية طاحنة، ولم تكن لديها نية لعرض العمل، إلا أن ساويرس وعبر برنامج "مانشيت الذي يقدمه الزميل جابر القرموطي قال: إن قناة «أون تي في» وكل العاملين فيها يحترمون كل زعماء مصر السابقين أيا كان تاريخهم، وذلك باعتبارهم رموز مصر، وإن قناته لا تهتم بالجوانب السلبية.
نجيب لم ينس أن يؤكد احترامه الشديد للرئيس عبدالناصر، وأن ما يحدث لا يمكن الموافقة عليه، حيث من المفروض وضع عبدالناصر في المكانة الصحيحة، ثم قطع نجيب الحبل السري للأزمة حتي لا تقترب منه قال إنه لم يكن مطروحا إذاعة هذه الحلقات من الأساس علي قناته.. فـ«أون تي في» لا يمكن أن تصطاد في الماء العكر.
الأزمة في حقيقة الأمر لم تكن لدي ساويرس ولا لدي قناته، ولكنها لدي من يملكون ذهنية المصادرة، أحمد الجمال أبدي تخوفات من أن شمس بدران وهو رجل الهزيمة - أو كما أطلقت عليه العربي لسان حال الحزب الناصري وجه النكسة الكئيب كأن بدران وحده كان وجه النكسة الكئيب - سوف يشوه ويضلل ويفتت ويزيد الوطن تقسيما وتفتيتا، ويسري فودة - علي طريقة الصحف الصفراء - يرمي بكتلة نار علي المذكرات، ويحذر منها لأنها ستكون عن حياة عبدالناصر الجنسية، وهو ما سيدعو الجميع إلي أن يقفوا أمام إذاعتها ونشرها، إن لم يكن من باب الوطنية فمن باب الأخلاق.
أعتقد أن شمس بدران مهما قال، فلن يكون عنده أكثر مما قاله خصوم عبدالناصر منذ فتح لهم السادات الباب ليتقولوا علي الرجل ما لم يكن فيه، لقد أفرج أبناء عبدالحكيم عامر عن بعض الأوراق التي كتبها والدهم، وفيها إشارات إلي حياة عبدالناصر الخاصة وجلساته الحريمي، وعلاقاته النسائية، لكن كل ذلك لم يصمد، لأن الإفك فيه واضح.
من حق الأجيال التي لم تعش هذه الفترة، فقط اكتوت بنارها، أن تعرف وأن تسمع وأن تبحث، وبعد ذلك تقول ما لديها، أما أن يتم التصدي للأمر علي طريقة محاكم التفتيش فهذا عمل سياسي حقير وأسلوب مهني متدن.. ثم إن من يتحدثون عن حرية الإعلام والسموات المفتوحة لا يعرفون أنه إذا تمت إذاعة المذكرات أو نشرها في مصر، فإن الحصول عليها لن يكون صعبا.. الفارق فقط أنه إذا تم السماح بإذاعتها ونشرها في مصر، فلن تأخذ أكثر من حجمها، أما إذا حجبت.. فالممنوع مرغوب.. ولن يهدأ من يرغبه إلا بعد الحصول عليه
No comments:
Post a Comment